فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: الاصطفاء ثلاثة أنواع: اصطفاء على غير الجنس {إن الله اصطفى آدم} [آل عمران: 33] ولم يكن له جنس حين خلقه وأسجد له ملائكته، واصطفاء على الجنس وعلى غير الجنس كاصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم على الكائنات كقوله: لولاك لما خلقت الأفلاك. وقال صلى الله عليه وسلم: «آدم فمن دونه تحت لوائي»، واصطفاء على الجنس كقوله: {يا موسى إني اصطفيتك على الناس} [الأعراف: 144] ولمريم {إن الله اصطفاك} لاصطفائك إياه {وطهرك} عن الالتفات لغيره {واصطفاك على نساء العالمين} لنيل درجة الكمال وإن لم يكن ذلك من شأن النساء.
{إن الله يبشرك بكلمة منه} كل صنف من أصناف الخلق حرف من حروف كلمة معرفة الله تعالى. والعالم بما فيه كلمة المعرفة كقوله: «كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» والإنسان وإن كان صنفًا من أصناف العالم وهو حرف من حروف كلمة المعرفة لكنه خلق نسخة العالم بما فيه فهو أيضا كلمة المعرفة كالعالم، لكنه خص من العالم بما فيه بكرامة معرفة نفسه ومعرفة ربه ومعرفة العالم بما فيه، وهذا مقام مخصوص بالإنسان الكامل المزكى بتزكيه الشريعة المربى بتربية أرباب الطريقة. وإنما خص عيسى علية السلام بهذا الاسم- أعنى الكلمة- من بين سائر الأنبياء والأولياء لأنه خلق مستعدًا لهذا الكمال في بدء أمره. قد فهم من كلمة نفسه معرفة ربه كما قال صلى الله عليه وسلم «من عرف نفسه فقد عرف ربه» وكان من اختصاصه بالكلمة أنه قال في المهد: {إني عبد الله آتاني الكتاب} [مريم: 30] روى مجاهد قال: قالت مريم بنت عمران: كنت إذا خلوت أنا وجنيني حدثته وحدثني، فإذا شغلني عنه إنسان سبح في بطني وأنا أسمع. وسمي المسيح لأنه حين مسح الله تعالى ظهر آدم فاستخرج منه ذرّات ذرّياته لم يردّه إلى مقامه كما جاء في الخبر «إن الله تعالى أذن للذرّات بالرجوع إلى ظهر آدم وحفظ ذرة عيسى وروحه عنده حتى ألقاها إلى مريم» فكان قد بقي عليه اسم المسيح أي الممسوح.
{وكهلًا} أي حالة النبوة لأن بلوغ الأنبياء عند كهولتهم {ومن الصالحين} يعني صلاحية قبول الفيض بلا واسطة كما هو حال جميع الأنبياء عليهم السلام.
{ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} الروح الإنساني الذي هو خليفة الله في أرضه قابل لجميع أنوار الصفات خلافة عنه حتى القدرة على الخلق والإحياء والإبراء والإنباء وغير ذلك من الآيات التي هي من نتاج القدرة، لكنه لتعلقه بالجسد الكائن من العناصر ولاحتجابه بظلمات شهوات الأبوين امتنع عن قبول أنوار الصفات إلى أن يخرجه مدد العناية بطريق الهداية، وقوة استعداد الروحية والجسمية من تلك الظلمات فيظهر على النبي صلى الله عليه وسلم آيات المعجزات وعلى الولي أمارات الكرامات. ولما كان روح عيسى عليه السلام وذرّة طينته المستخرجة من ظهر آدم محتبسة عند الله حتى ألقاها إلى مريم من غير شائبة ظلمات شهوة الأبوين ولهذا سمي روح الله، كان قابل أنوار الصفات في بدوّ أمره يكلم الناس في المهد ويكتب ويقرأ التوراة والإنجيل غير من تعلم، ويحيي ويبرئ إلى غير ذلك من الآيات {فلما أحس عيسى منهم الكفر} فيه إشارة إلى أن عيسى الروح، لما أحس من النفس وصفاتها الكفر {قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون} وهم القلب وصفاته {نحن أنصار الله آمنا بالله} أي بوحدانيته والتبري عن غيره {واشهد بأنا مسلمون} منقادون لأحكامه، راضون بقضائه، صابرون على بلائه {ربنا آمنا بما أنزلت} من الحكم والأسرار واللطائف والحقائق {واتبعنا الرسول} الوارد من نفحات ألطافك {فاكتبنا مع الشاهدين} المشاهدين لأنوار جلالك {ومكروا} أي النفس وصفاتها والشياطين وأتباعها في هلاك عيسى الروح {ومكر الله} بتجلي صفات قهره في فناء النفس وصفاتها {والله خير الماكرين} في قهر النفس الأمارة بالسوء وقمع صفاتها وقلع شهواتها {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك} عن الصفات النفسانية والسمات الحيوانية {ورافعك إليّ} بجذبات العناية كما أسرى بعبده إلى قاب قوسين أو أدنى.
ومن خواص الجذبة الربوبية خمود الصفات البشرية {ثم إليّ مرجعكم} باللطف أو القهر بالاختيار على قدم السلوك، أو بالاضطرار عند نزع الروح.
{فأعذبهم عذابًا شديدًا في الدنيا} بحجاب الغفلة والاشتغال بغير الله، {والآخرة} بالقطيعة والبعد عن الله {والله لا يحب الظالمين} الذين يظلمون أنفسهم بانقضاء العمر في طلب غير الله تعالى. ثم قال له كن فيكون. هذه السنة في تكوين الأرواح والملكوت لا الأجساد والملك، ولكنه أجراها في تكوين آدم من تراب بلا أب وأم، وخلق حوّاء منه بلا أم، وخلق عيسى ابن مريم بلا أب خرقًا للعادة ودلالة على اختياره ورغمًا بأنف من قال بالإيجاب في الإيجاد {فلا تكن من الممترين} نهي الكينونة قاله في الأزل فما كان من الممترين ولا يكون إلى الأبد. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة: {قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] وهي كلمة التوحيد وترك اتباع الهوى والميل إلى السوى فإن ذلك لم يختلف فيه نبي ولا كتاب قط {مَا كَانَ إبراهيم} الخليل يهوديًا متعلقًا بالتشبيه {وَلاَ نَصْرَانِيّا} قائلًا بالتثليث {وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا} مائلا عن الكون برؤية المكون {مُسْلِمًا} [آل عمران: 67] منقادًا عند جريان قضائه وقدره، أو ذاهبًا إلى ما ذهب إليه المسلمون المصطفون القائلون {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11]، {إِنَّ أَوْلَى الناس بإبراهيم لَلَّذِينَ اتبعوه} بشرط التجرد عن الكونين ومنع النفوس عن الالتفات إلى العالمين فإن الخليل لما بلغ حضرة القدس زاغ بصره عن عرائس الملك والملكوت فقال: {إِنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ إني وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السموات والأرض} [الأنعام: 78، 79] {وهذا النبى} العظيم يعني محمدًا عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل التسلم أولى أيضا بمتابعة أبيه الخليل وسلوك منهجه الجليل لأنه زبدة مخيض محبته وخلاصة حقيقة فطرته {والذين ءامَنُواْ} به صلى الله عليه وسلم وأشرقت عليهم أنواره وأينعت في رياض قلوبهم أسراراه {والله وَلِىُّ المؤمنين} [آل عمران: 68] كافة يحفظهم عن آفات القهر ويدخلهم في قباب العصمة ويبيح لهم ديار الكرامة {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} جعله أهل الله سبحانه خطابًا للمؤمنين كما قال بذلك بعض أهل الظاهر أي لا تفشوا أسرار الحق إلا إلى أهله ولا تقرّوا بمعاني الحقيقة للمحجوبين من الناس فيقعون فيكم ويقصدون سفك دمائكم {قُلْ إِنَّ الهدى} أعني {هُدَى الله أَن يؤتى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} من علم الباطن، أو مثل ما يحاجوكم به في زعمهم عند ربكم وهو علم الظاهر.
وحاصل المعنى: إن الهدى بين الظاهر والباطن وأما الاقتصار على علم الظاهر وإنكار الباطن فليس بهدى {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله} فيتصرف به حسب مشيئته التابعة لعلمه التابع للمعلوم في أزل الآزال {والله واسع عَلِيمٌ} [آل عمران: 73] فكيف يتقيد بالقيود بل يتجلى حسبما تقتضيه الحكمة في المظاهر لأهل الشهود {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ} الخاصة {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} وهي المعرفة به وهي فوق مكاشفة غيب الملكوت ومشاهدة سر الجبروت، {والله ذُو الفضل العظيم} [آل عمران: 74] الذي لا يكتنه {بلى مَنْ أوفى بِعَهْدِهِ} وهو عهد الروح بنعت الكشف؛ وعهد القلب بتلقي الخطاب، وعهد العقل بامتثال الأوامر والنواهي {واتقى} من خطرات النفوس وطوارق الشهوات {فَإِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} [آل عمران: 76] أي فهو بالغ مقام حقيقة المحبة {إِنَّ الذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيمانهم ثَمَنًا قَلِيًلا} [آل عمران: 77] الآية إشارة إلى من مال إلى خضرة الدنيا وآثرها على مشاهدة حضرة المولى وزين ظاهره بعبادة المقربين ومزجها بحب الرياسة فذلك الذي سقط عن رؤية اللقاء ومخاطبة الحق في الدنيا والآخرة {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم والنبوة ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ الله} لأن الاستنباء لا يكون إلا بعد الفناء في التوحيد فمن محا الله تعالى بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجودًا نورانيًا حقيًا قابلًا للكتاب والحكمة العقلية لا يمكن أن يدعو إلى نفسه إذ الداعي إليها لا يكون إلا محجوبًا بها، وبين الأمرين تناقض {ولكن} يقول: {كُونُواْ ربانيين} [آل عمران: 79] أي منسوبين إلى الرب، والمراد عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات لتغلب على أسراركم أنوار الرب، ولهم في الرباني عبارات كثيرة، فقال الشبلي: الرباني الذي لا يأخذ العلوم إلا من الرب ولا يرجع في شيء إلا إليه، وقال سهل: الرباني الذي لا يختار على ربه حالا، وقال القاسم: هو المتخلق بأخلاق الرب علمًا وحكمًا، وقيل: هو الذي محق في وجوده ومحق عن شهوده، وقيل: هو الذي لا تؤثر فيه تصاريف الأقدار على اختلافها وقيل وقيل.
وكل الأقوال ترد من منهل واحد، {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا} فإنها بعض مظاهره وهو سبحانه المطلق حتى عن قيد الإطلاق {أَيَأْمُرُكُم بالكفر بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 80] أي أيأمركم بالاحتجاب برؤية الأشكال والنظر إلى الأمثال بعد أن لاح في أسراركم أنوار التوحيد وطلعت في قلوبكم شموس التفريد {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} [آل عمران: 18] الآية فيه إشارة إلى أنه سبحانه أخذ العهد من نواب الحقيقة المحمدية في الأزل بالانقياد والطاعة والإيمان بها، وخصهم بالذكر لكونهم أهل الصف الأول ورجال الحضرة، وقيل: إن الله تعالى أخذ عليهم ميثاق التعارف بينهم وإقامة الدين وعدم التفرق وتصديق بعضهم بعضًا ودعوة الخلق إلى التوحيد وتخصيص العبادة بالله تعالى وطاعة النبي وتعريف بعضهم بعضًا لأممهم، وهذا غير الميثاق العام المشار إليه بقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ} [الأعراف: 172] الخ {فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك} أي بعد ما علم عهد الله تعالى مع النبيين وتبليغ الأنبياء إليه ما عهد إليهم {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} [آل عمران: 82] أي الخارجون عن دين الله تعالى ولا دين غيره معتدًا به في الحقيقة إلا توهمًا {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السموات والأرض} أي من في عالم الأرواح وعالم النفوس، أو من في عالم الملكوت وعالم الملك {طَوْعًا} باختياره وشعوره {وَكَرْهًا} من حيث لا يدري ولا يدري أنه لا يدري بسبب احتجابه برؤية الأغيار، ولهذا سقط عن درجة القبول {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] في العاقبة حين يكشف عن ساق {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام} وهو التوحيد {دِينًا} له {فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} لعدم وصوله إلى الحق لمكان الحجاب {وَهُوَ في الآخرة} ويوم القيامة الكبرى {مّنَ الخاسرين} [آل عمران: 85] الذين خسروا أنفسهم {كَيْفَ يَهْدِى الله قَوْمًا} [آل عمران: 86] الآية استبعاد لهداية من فطره الله على غير استعداد المعرفة، وحكم عليه بالكفر في سابق الأزل فإن من لم يكن له استعداد لم يقع في أنوار التجلي، ومن خاض في بحر القهر ولزم قعر بعد البعد لم يكن له سبيل إلى ساحل قرب القرب والله غالب على أمره ولله در من قال:
إذ المرء لم يخلق سعيدًا تحيرت ** ظنون مربيه وخاب المؤمل

فموسى الذي رباه جبريل كافر ** وموسى الذي رباه فرعون مرسل

هذا والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (92):

قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ (92)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان آخر هذه القصص في الحقيقة إبطال كل ما خالف الإسلام الذي هو معنى {أن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19]- وما بعد ذلك إنما جرّه- ختم الآية بدعوى أن المخالفين من الخاسرين، وختم ذلك بأن من مات على الكفر لا يقبل إنفاقه للإنقاذ مما يلحقه من الشدائد، لا بدفع لقاهر ولا بتقوية لناصر، فتشوفت النفس إلى الوقت الذي يفيد فيه الإنفاق وأي وجوهه أنفع، فأرشد إلى ذلك وإلى أن الأحب منه أجدر بالقبول، رجوعًا إلى ما قرره سبحانه وتعالى قبل آية الشهادة بالوحدانية من صفة عباده المنفقين والمستغفرين بالأسحار على وجه أبلغ بقوله: {لن تنالوا البر} وهو كمال الخير {حتى تنفقوا} أي في وجوه الخير {مما تحبون} أي من كل ما تقتضون، كما ترك إسرائيل عليه الصلاة والسلام أحب الطعام إليه لله سبحانه وتعالى.
ولما كان التقدير: فإن أنفقتم منه علمه الله سبحانه وتعالى فأنالكم به البر، وإن تيممتم الخبيث الذي تكرهونه فأنفقتموه لم تبروا، وكان كل من المحبة والكراهة أمرًا خفيًا، قال سبحانه وتعالى مرغمًا مرهبًا: {وما تنفقوا من شيء} أي من المحبوب وغيره {فإن الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة.
وقدم الجار اهتمامًا به إظهارًا لأنه يعلمه من جميع وجوهه ما تقول لمن سألك- هل تعلم كذا: لا أعلم إلا هو، فقال: {به عليم} فهذا كما ترى احتباك. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بيّن أن الإنفاق لا ينفع الكافر ألبتة علم المؤمنين كيفية الإنفاق الذي ينتفعون به في الآخرة، فقال: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وبيّن في هذه الآية أن من أنفق مما أحب كان من جملة الأبرار، ثم قال في آية أخرى {إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيم} [المطففين: 22] وقال أيضا: {إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كافورا} [الإنسان: 5] وقال أيضا: {إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ عَلَى الأرائك يَنظُرُونَ تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ختامه مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون} [المطففين: 22، 26] وقال: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب} [البقرة: 177] فالله تعالى لما فصل في سائر الآيات كيفية ثواب الأبرار اكتفى هاهنا بأن ذكر أن من أنفق ما أحب نال البر، وفيه لطيفة أخرى.
وهي أنه تعالى قال: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البر مَنْ ءَامَنَ بالله واليوم الآخر والملائكة} إلى آخر الآية، فذكر في هذه الآية أكثر أعمال الخير، وسماه البر ثم قال في هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} والمعنى أنكم وإن أتيتم بكل تلك الخيرات المذكورة في تلك الآية فإنكم لا تفوزون بفضيلة البر حتى تنفقوا مما تحبون، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أنفق ما يحبه كان ذلك أفضل الطاعات. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

روى الأئمة واللفظ للنسائي عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة: إن ربنا ليسألنا من أموالنا فأشهدك يا رسول الله أني جعلت أرضي لله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلها في قرابتك في حسان بن ثابت وأُبيّ بن كعب» وفي الموطأ وكانت أحب أمواله إليه بَئرُحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيبٍ.
وذكر الحديث.
ففي هذه الآية دليل على استعمال ظاهر الخطاب وعمومه؛ فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لم يفهموا من فحوى الخطاب حين نزلت الآية غير ذلك.